لم تعد ظاهرة الاختلاس أو الغش في الامتحانات مقتصرة على محاولات فردية مستترة يخجل صاحبها منها، بل تحولت في بعض مدارسنا "للأسف"إلى سلوك جماعي يستعرضه بعض التلاميذ على منصات التواصل الاجتماعي بفخر واعتزاز (البحث عن اترندات)، وكأنها بطولة أو إنجاز.
ففي السنوات الأخيرة، ومع تزايد استخدام الهواتف الذكية بين التلاميذ، أصبح الغش أكثر سهولة وانتشارا، بل وأصبح بعضهم يتباهى بذلك علنا، غير مكترثين لا بحرمة الامتحان، ولا بأهمية التحصيل العلمي، ولا حتى بسمعة المدرسة أو المجتمع. والأخطر من ذلك أن التلميذ الذي يفشل في محاولة الغش أصبح هو المستهزأ به، بينما يُحتفى بمن نجح في الاختلاس وكأنه "ذكي" أو "بارع".
ومما يزيد من خطورة هذه الظاهرة، أن كثيرا من هؤلاء التلاميذ لا يخفون جهلهم بمواضيع الامتحانات، بل يتحدثون عن ذلك بلا خجل، ويصورون أنفسهم وهم ينشرون فيديوهات ساخرة حول فشلهم في الفهم أو التحضير، مما يكرس ثقافة التهاون والتكاسل، ويهيئ النشء نفسيا لقبول الغش كأمر طبيعي، بل ومحبب.
لقد أصبحت القاعات الدراسية والامتحانات نفسها ساحة لمراوغة من نوع جديد: إدخال الهواتف خفية، تصوير مواضيع الامتحان، تبادل الإجابات في "المجموعات السرية"، والسخرية من المعلمين والأساتذة والرقابة، بل واعتبارهم مجرد "عقبة مزعجة" في طريق النجاح المزيف.
ورغم أن السلطات عمدت إلى قطع الإنترنت عن الهواتف خلال فترة الامتحانات، إلا أن تسريبات بعض المواد ما زالت تحدث، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول مستوى الرقابة، ودور بعض الموظفين والمسؤولين في هذه العملية، التي قد تتورط فيها أطراف عدة، بعضها داخل المؤسسات التعليمية ذاتها.
تساؤلات مطروحة:
1. ما الذي جعل التلميذ اليوم لا يخجل من الغش، بل يتفاخر به؟
2. كيف تحول الغش إلى "ظاهرة اجتماعية" بدل أن يكون "سلوكا مشينا"؟
3. ما هو دور الأسرة، والمدرسة، والوزارة، والمجتمع المدني في التصدي لهذه الظاهرة؟
4. كيف يمكن للمجتمع أن يعيد الاعتبار لقيمة الجد والاجتهاد؟
5. هل نحن بصدد جيل يرى أن الشهادة أهم من المعرفة؟ وأن النجاح بأي وسيلة هو المعيار؟
لم يعد الغش مجرد مشكلة تربوية، بل أصبح أزمة أخلاقية وثقافية تهدد مستقبل الأجيال القادمة. والتصدي لها يتطلب جهدا جماعيا، يبدأ من الأسرة والمدرسة، ويمتد إلى الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي نفسها، التي يجب أن تتحول من منصات للتفاخر بالخطأ، إلى ساحات لغرس القيم، وتشجيع التميز الحقيقي.
الدده اعل انتيه
هيا إلى المعالي 🕊️